وشهدت الندوة التي اختير لها موضوع "منظومة القيم الوطنية والفكرية عند أبي بكر القادري" وترأسها عضو الأكاديمية ادريس الضحاك، بحضور شخصيات من حقل السياسة والفكر والثقافة، تقديم شهادات عايشت مختلف بصمات الراحل الفكرية ونضالاته الوطنية وإسهاماته العلمية والسياسية من أجل استقلال المغرب، و استعرضت معالم النبوغ المغربي في سيرة العالم والمفكر أبي بكر القادري المدافع عن الهوية والثقافة المغربية.
وبهذه المناسبة، قال أمين السر الدائم لأكاديمية المملكة المغربية، عبد الجليل لحجمري، إنه بقراءة الأنساق الفكرية والمجتمعية التي عاشها أبو بكر القادري، يتضح أنها أنتجت عقليات جمعت ما تفرق عند الآخرين بين الوعي الوطني التحرري والهوية والوعي التربوي والمجتمعي والوعي الإصلاحي والحضاري، مضيفا أنه، من ثم التقى الأستاذ القادري في هذا الفهم للنهضة الوطنية مع رواد الحركة السلفية المغربية كأبي شعيب الدكالي ومحمد بلعربي العلوي وعلال الفاسي وعبد الله كنون والمكي الناصري.
و في معرض حديثه عن الفكر الإصلاحي لدى أبي بكر القادري، أكد لحجمري أن فكر الراحل ظل متناغما مع منظومة إعمال العقل وفهم الدين الإسلامي من خلال مصدرين صافيين هما القرآن الكريم والسنة النبوية مرتكزا في ذلك على السعي نحو بناء وعي إسلامي مرتبط بدينه وحضارة عصره وتصحيح الافتراء ومواجهة التحديات المضللة والمعيقة لتقدم الوطن، مع تقديم فهم جديد قوامه إعمال العقل ونبذ قيود التقليد وآفة الاستلاب.
وبعدما وصف السيد لحجمري أبا بكر القادري بـ"المفكر المجدد المنشغل بقضايا هويتنا وثقافتنا المعاصرة"، أكد أنه كان مساهما في تشييد دعوة إصلاحية على قاعدة سياسية شرعية تعمل على تقريب المجتمع من عمل الخير وإبعاد عن الفساد.
من جهته، نوّه رئيس مؤسسة أبي بكر القادري للفكر والثقافة خالد القادري، وابن الراحل أبي بكر القادري، بما أسماها السنة المحمودة التي تسعى من خلالها أكاديمية المملكة المغربية إلى "الحفاظ على ذاكرة أعضائها الذين ساهموا في تنشيط ندواتها وأغنوا بعروضهم وتدخلاتهم المناقشات التي عرفتها رحابها وبوّؤوها المقام الممتاز الذي وصلت إليه".
وبعد أن أشار القادري إلى أن برنامج الندوة يتطرق إلى الجوانب المختلفة لمسار أبي بكر القادري كرجل وهب حياته لخدمة وطنه عبر جهاده الوطني ومن خلال نشاطه الدؤوب في الميادين العقائدية والفكرية والمجتمعية والتربوية ولأجل ذلك استقدمت الأكاديمية نخبة من الأساتذة الذين عاشروه أو رافقوه أو قرأوا له، اختار المتحدث أن يُركّز في مداخلته على الحياة الخاصة لأبيه وذلك من أجل الإلمام بشخصيته من كل جوانبها.
من جانبهم،أجمع المتدخلون، ممن عايشوا أبا بكر القادري أنه كان لهذا العالم المغربي حضورا فكريا متميزا داخل الأكاديمية المغربية للمملكة وخارجها متعدد الجوانب ومتكامل الأبعاد، مبرزين انه من باب الوفاء والاعتراف التطرق إلى إسهامه في الحقل الثقافي والعلمي على امتداد العقود الثلاثة من تاريخ الأكاديمية فضلا عن حضوره الوازن في مختلف الميادين الأخرى.
وأضاف المتدخلون من أساتذة جامعيين ووزراء سابقين، أن المعلم المربي أبو بكر القادري، مدير مدرسة "النهضة" الرائدة بمدينة سلا، هو كذلك مناضل سياسي ضمن قيادات حزب الاستقلال ومصلح اجتماعي ومفكر إسلامي في مقالاته وأبحاثه وبعض كتبه، كما أنه مؤرخ وطني من خلال كتابه "مذكراتي في الحركة الوطنية المغربية"، وهو كذلك صحفي متلزم كمدير لمجلة الإيمان والرسالة.
كما أشادوا بإسهامات العالم القادري في ميدان التأريخ للحركة الوطنية، إذ كان له فيها العطاء المتميز والشاهد القوي الذي جمع بين الأمانة والاستقامة، إلى جانب عطائه في حياته الفكرية الغنية بالجهاد منطلقا من وعيه بالمسوؤلية التي تلقيها عليه المرحلة التاريخية الوطنية مند ثلاثينيات القرن الماضي إلى نهاية القرن العشرين.