وشهدت البلاد، بعد سوء التدبير الذي اتسمت به إدارة شؤون البلاد لأكثر من عشر سنوات ، منعطفا أثار آمالا كثيرة.
وتبدو تونس، وبعد طرد حركة النهضة الإسلامية وحلفائها من السلطة، وتجميد أنشطة البرلمان، ورفع الحصانة عن المنتخبين، وبمتابعة سياسيين وكبار المسؤولين في الدولة بسبب الفساد، وبعد التدابير الاستثنائية، بعيدة كل البعد عن درب الاستقرار والوحدة والنمو.
وبحسب المراقبين، فإن استمرار الانقسامات السياسية وتفاقم الصعوبات الاقتصادية والمالية وتزايد التوترات الاجتماعية ينذر بسنة أخرى جديدة أكثر غموضا من 2021 .
وإذا كانت تونس تنتظر منذ أكثر من خمسة أشهر الحصول على إجابات للأسئلة الشائكة حول مسار نظامها السياسي، وحول الحلول التي يجب إيجادها لصعوباتها الاقتصادية والمالية المتلازمة، وإشكالاتها الاجتماعية التي تزداد تعقيدا، فقد رفع الرئيس قيس سعيد في خطابه المفاجئ ليوم 13 دجنبر الستار عن شروط إنهاء التدابير الاستثنائية.
واشتملت خارطة الطريق التي أعلن عنها تنظيم استفتاء يوم 25 يوليوز 2022 حول إصلاحات دستورية، والقانون الذي سينظم الانتخابات التشريعية، وقانون الأحزاب، وكذا الانتخابات التشريعية في الـ17 من دجنبر 2022.
وعلى الرغم من الاستقبال المتفاوت لهذه القوانين، يعلم الجميع أن مجلس النواب سيبقى، بحكم الواقع، معلقا، أو مجمدا ، وأن التدابير الاستثنائية ستظل سارية المفعول لمدة سنة، وأن الرئيس سيستمر في حكم البلاد بواسطة مراسيم .
ولم يمنع هذا أن ترحب الولايات المتحدة بالإعلان عن تنظيم انتخابات تشريعية جديدة في دجنبر 2022. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية نيد برايس "نرحب بإعلان الرئيس سعيد عن جدول زمني يلحظ مسارا نحو الإصلاح السياسي وإجراء انتخابات برلمانية" ، مضيفا "نأمل بأن تكون عملية الإصلاح شفافة، وأن تشمل تنوع الأصوات السياسية والمجتمع المدني" .
وبالرغم من تسجيل، مؤخرا، انفراج على المستوى السياسي، فإن الأمر على المستوى الاقتصادي لا يبدو أنه قد تغير قيد أنملة.
ففي الوقت الذي كان يخشى فيه، في السابق، السيناريو اليوناني ، لا يستبعد الخبراء والمختصون اليوم السيناريو اللبناني في هذا البلد المغاربي الذي يجد نفسه يواجه ثلاثة تحديات رئيسية.
أولاها عودة الأزمة السياسية التي تشل مؤسسات الدولة. ومن ثم، فإن الهامش المتاح للحكومة لوضع خطة التعافي الاقتصادي، التي من شأنها أن تمنع الدولة من سيناريو أسوأ الحالات، يطرح سؤالا عن الحلول للدين ، الذي لا يطاق، عمومي وخارجي ، الذي يعادل كل منهما 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، وتعبئة موارد جديدة لتمويل الميزانية العامة لسنة 2022؟.
فمنذ انقلاب قيس سعيد في 25 يوليوز 2021 ، والذي سمح له بإقالة الحكومة وتجميد عمل البرلمان وتولي كامل الصلاحيات، ارتفعت أصوات عديدة للمطالبة بإعلان الانتخابات التشريعية المرتقبة وخارطة طريق واضحة لإنهاء المشهد الضبابي الحالي.
وتعتبر كل هذه الاصوات أن النظام السياسي الحالي هو مصدر كل الاختلالات، مدافعة عن الحاجة الملحة للانتقال الى الجمهورية الثالثة بدستور جديد ونظام سياسي جديد، يحيد انجرافات "العقد الاسود".
أما على الصعيد الاقتصادي، فلم يكن التطمينات المطلوب في الموعد، فقد كان الانتعاش مشلولا بسبب الآثار الكارثية للموجة الثالثة من كوفيد 19.
فبعد الانكماش التاريخي في النمو سنة 2020 إلى 8.6 في المائة، فإن التوقعات لسنة 2021 ليست متفائلة بما فيه الكفاية .
ومن المتوقع أن ينتعش الناتج المحلي الإجمالي لتونس، ويرتفع إلى 2 في المائة سنة 2021 ثم إلى 3.9 في المائة سنة 2022 ، وهذا مرتبط، بشكل كبير، بانحسار الوباء الذي سيسمح بتعافي الاقتصاد العالمي ، لا سيما الأوروبي الذي تعتمد عليه تونس بقوة.
وتبقى المؤشرات الأخرى بدورها غير مطمئنة، إذ تراجعت معدلات الاستثمار الى 7.8 في المائة والإدخار ب4 في المائة.
وإذا كان القطاع الصناعي قد استفاد، نوعا ما، من الانتعاش الأوروبي، وانتعاش إنتاج الفوسفاط، واستفادة إنتاج النفط من استغلال مواقع جديدة ، فإن قطاع الخدمات ما زال يعاني ، منها السياحة التي تعرف انخفاضا بشكل حاد.
وبالمقابل،،لم يوجه القطاع الفلاحي، الذي كان مرنا سنة 2020 ، بشكل صحيح السنة التي نودعها .
ويمكن القول إن مسار الديون بتونس الآن أضحى غير محتملا بدون إصلاحات، فقد انتقل الدين العام من 74.2 في المائة إلى 89.7 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي سنة 2020 ، مع توقع أن يتجاوز 90 في المائة 2021 .
ولا يشتمل هذا الدين على مديونية المؤسسات العمومية التي ستصل بدورها إلى 40 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، منها أكثر من 15 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي تضمنها الدولة.
وقد خلص صندوق النقد الدولي في ختام مشاورات المادة الرابعة لفبراير 2021 إلى أن مسار الديون لا يمكن تحمله ما لم تتبنى السلطات برنامج إصلاح بنيوي قوي وموثوق به.
وتواجه تونس، في غياب برنامج صندوق النقد الدولي، ونظرا للمخاوف المتزايدة بشأن استدامة ديونها ، صعوبات كبيرة في الاقتراض وتمويل احتياجاتها.
وتضاعفت احتياجات تمويل الديون من 10 مليار دينار إلى 20 مليار دينار سنة 2020 ، وتقدر بنحو 21.1 مليار دينار (6.6 مليار يورو) سنة 2021 .
ومع غياب الوصول إلى التمويل الخارجي، ازداد اللجوء إلى البنك المركزي، حيث وافق، من جديد، على استخدام التمويل غير المباشر من الميزانية سنة 2021 من أجل تسديد قسطين من سندات "اليوروبوند".
وعادت ضغوط التخضم، في ذات الوقت، إلى البروز ، مع تدهور الوضع الاجتماعي والشغل.
وتراجع التضخم من 6.7 في المائة سنة 2019 إلى 4.9 في المائة نهاية 2020 ، وارتفع إلى 6.3 في المائة في أكتوبر ، متأثرا بضغوط الأسعار العالمية، الأمر الذي أثر بشكل خاص على أسعار المواد الغذائية.
وعرفت المؤشرات الاجتماعية تدهورا حادا، وتفاقمت العراقيل للولوج الى الشغل، وهو ما ولد نوعا من من الإحباط، حيث انتقل معدل الفقر من 14 في المائة إلى 21 في المائة في ظرف سنة واحدة، ليصل معدل البطالة إلى 18.4 في المائة من عدد السكان النشيطين .
ويعد هذالرقم أعلى معدل بطالة سجل منذ 2011 بنسبة تزيد عن 42 في المائة بين الشباب.
وتنتظر كل هذا الأوراش العملاقة إجابات وإصلاحات ورؤية التي ما زالت، الى حد بعيد، غائبة .