فمن الاكتشاف الأثري الاستثنائي بموقع بيزمون، إلى إعلان خلاصات دراسة حول معامل السكر بإيدا أوكرض، اللذين دلا على أنه بالصويرة لوحدها، لا زالت ترتسم بقايا آثار دورات ماقبل صناعة سكرية عبر العالم، مكنت مدينة الرياح من فتح صفحة جديدة في تاريخ الأرض والإنسانية، وعاشت برسم السنة التي تشارف على الانتهاء، لحظات مشرقة ومبهرة في تاريخها بأسره.
وتطابقت الآثار لتحكي للعالم، انطلاقا من الصويرة برسم سنة 2021، أن هذا الاكتشاف الذي يعود تاريخه إلى 150 ألف سنة يسلط الضوء على الإبداع البشري من خلال أدوات الزينة، كمؤشر جديد يعكس أقدم سلوك رمزي بشري.
ويقدم اكتشاف "بيزمون" معلومات في غاية الأهمية عن أصل السلوك البشري الرمزي، والذي قد تكون له عدة معان، أي أدلة على العلاقات بين أفراد المجموعة البشرية نفسها، أو مع مجتمعات أخرى، أو عن وجود لغة وهوية مشتركتين، خلال حقبة الإنسان العاقل.
ويرجع الفضل في اكتشاف موقع بيزمون لفريق بحث دولي متعدد التخصصات، يرأسه أستاذ علم الآثار لفترة ما قبل التاريخ في المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، عبد الجليل بوزوكار.
وتتألف القطع الأثرية التي تم اكتشافها من 32 صدفة بحرية في مستوى أركيولوجي مؤرخ على أقل تقدير ما بين 142 ألف و 150 ألف سنة مضت. وهي قطع أثرية مصنوعة من أصداف "تريتيا غيبوسولا". وقد تم ثقب هذه الأصداف البحرية بشكل متعمد من قبل إنسان ما قبل التاريخ، ليتم ارتداؤها كقلائد، وأساور، وكانت تشد بالملابس، كما كانت تميل الى اللون الأحمر الذي قد يرمز إلى الدم، أو الحياة أو الروابط الأسرية.
وقد ظهر هذا النوع من الحلي في عصور ما قبل التاريخ بكثرة في المغرب، أكثر من أي مكان آخر في إفريقيا والشرق الأوسط.
وعلاوة على هذا الاكتشاف الفريد بموقع بيزمون، أجرى فريق من العلماء الفرنسيين (أندري بونال، وجيل تيكسيي وإدوارد بوتيي)، الذي يعيش في الصويرة، ويشتغل منذ سنوات على هذا "الإرث الصويري" خلال حقبة السعديين، دراسة تقول إنه بضواحي الصويرة فقط يمكن رؤية آخر بقايا ميلاد دورات ما قبل صناعية لثقافة وإنتاج السكر بالعالم.
وتدين هذه البقايا الشهيرة والكاملة لأحمد المنصور الذهبي الذي جعل من المغرب أحد البلدان الرائدة على صعيد العالم في إنتاج السكر إبانها.
وبعد الاندثار الكامل لكل أثر بين لهذه الصناعة في أماكن أخرى، من شبه الجزيرة الإيبيرية إلى أمريكا اللاتينية، تعد معامل صناعة السكر السعديين بالصويرة الموقع الوحيد بالعالم لقطاع الصناعة الغذائية الذي شهد أزهر مراحله في القرن 16 عشر الميلادي.
وتحبل هذه المعامل الهائلة، المرئية دوما والمهيكلة، بدروس وعبر تحظى بالراهنية على الصعيد الأركيولوجي، بالنظر إلى المواد والوعي الذي أبانت عنه ساكنة المنطقة في تلك المرحلة، بخصوص حماية البيئة والحفاظ على الآثار التي تميز هذه المنطقة وهذا الفضاء، وتحيل إلى حضارات متعاقبة على مدى قرون.
وتمثل معامل السكر بإيدا أوكرض بإقليم الصويرة، الموقع الوحيد بالعالم الذي يمكن رؤيته وزيارته في مجمل مسلسل إنتاج السكر انطلاقا من حقول قصب السكر حتى المنتوج النهائي مرورا بالتقطيع والمعالجة.
لكن يتعين في المقابل، الحفاظ على هذا الموقع الذي يمثل شهادة استثنائية على عمق الحضارة بالصويرة وبالجهة، والتعريف به وتثمينه.
وفي هذا الصدد تعتزم الأطراف المعنية إطلاق مسطرة تصنيف هذا الموقع ضمن لائحة التراث المادي للإنسانية لليونسكو، كمبادرة تأتي بدون شك، لتؤكد حرص المملكة على الحفاظ على كل آثار حضارتها العريقة والتليدة، والتي صنعت تاريخ الإنسانية.
وقامت الصويرة، عبر اكتشاف بيزمون والالتزام الجلي للأطراف المعنية من أجل تثمين الموقع التاريخي لمعامل السكر بإيدا أوكرض، بعمل محمود، بفضل العلماء، الذين عملوا منذ سنوات بعطاء وغيرية وإرادية، حتى يمكنونا كمغاربة، طبعا، لكن بشكل أكبر بكثير، من حسن استيعاب ما جرى في هذا الجزء من التراب الوطني.