فخلال شهر يوليوز الماضي، واجهت هذه الدولة، الواقعة في القسم الجنوبي من القارة، واحدة من أعنف الأحداث في تاريخها، بعد سجن الرئيس السابق للبلاد جاكوب زوما.
لقد وقف المراقبون الدوليون مشدوهين أمام صور العنف غير المسبوق الذي شهدتها البلاد، حيث ذهب التوازن الهش الذي يميز المجتمع الجنوب إفريقي في مهب الريح، مخلفا موجة غير مسبوقة من أعمال العنف في البلاد.
لقد صار الوضع متوترا منذ أواخر يونيو الماضي، إثر صدور حكم بالسجن لمدة 15 شهرا في حق رئيس الدولة السابق، بتهمة تحقير المحكمة. وجاء هذا القرار على إثر رفضه الالتزام بقرار المحكمة الدستورية، المحكمة العليا في البلد، للإدلاء بشهادته في تهم الفساد التي وجهت إليه.
وفي محافظة كوازولو ناتال، وهي معقل الزعيم الأسبق زوما، تصاعدت حدة التوترات عندما تجمع المئات من مؤيديه أمام مقر إقامته، للتعبير عن دعمهم له، وكذا لمنع الشرطة من اعتقاله.
وبعد قرار زوما تسليم نفسه للشرطة، تحولت الاحتجاجات إلى أعمال عنف. حيث داهم الحشود واللصوص المدن الكبرى في جنوب إفريقيا، متجاهلين حالة الطوارئ المعلنة في البلاد والتدابير الصارمة المفروضة لمواجهة الموجة الثالثة من جائحة كوفيد-19، مما تسبب في حالة من الذعر على مستوى البلاد.
وفي مدن ديربان وبيترماريتسبورغ، أو جوهانسبرغ، المركز الاقتصادي للبلاد، قام مثيرو الشغب بغلق الطرق الرئيسية وإضرام النار في السيارات والشاحنات، ونهب المتاجر ومراكز التسوق والمحلات التجارية الكبرى والمستودعات. كما لم تسلم الصيدليات من أعمال الشغب هاته. وكانت حصيلة الخسائر البشرية مرتفعة للغاية، مع أزيد من 350 حالة وفاة من جراء التدافع بشكل أساسي، بينما تقدر الحكومة الخسائر الاقتصادية المباشرة بأكثر من ثلاثة ملايير دولار.
وتمت مشاهدة جماعات وهي تغادر بسيارات مليئة بجميع أنواع المسروقات، بما في ذلك الأجهزة الكهربائية المنزلية، مثل أجهزة التلفاز وآلات الغسيل والثلاجات.
وفي غمرة هذه الأحداث الدرامية، اندلعت اشتباكات عرقية في محافظة كوازولو ناتال بين السكان السود والهندي، مخلفة 15 قتيلا على الأقل بين الجانبين، حسب الأرقام الرسمية.
وقال وزير الشرطة، بيكي سيلي، في تصريح بهذا الخصوص، "يبدو أن هذه التوترات يغذيها بعض السكان المقيمين المسلحين، الذين شكلوا مجموعات الدفاع عن النفس، لحماية الممتلكات الخاصة والمتاجر من النهب ".
وفي ظل هذا السياق الحساس للغاية، قررت حكومة البلاد، في الأخير، نشر ما مجموعه 25 ألف جندي، لمساعدة قوات حفظ النظام في المقاطعتين الأكثر تضررا، وهما غوتنغ وكوازولو ناتال.
وبعد هبوب العاصفة، جاء وقت تقييم الوضع، حيث كشفت وزيرة المقاولات الصغرى، خومبودزو نتشافيني، أن البلاد خسرت أزيد من 50 مليار راند (أكثر من 3 ملايير دولار) بسبب هذه الاضطرابات، أي ما يعادل 1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي.
كما أوضحت نتشافيني أنه تم تخريب وتدمير حوالي 200 مركز تسوق و300 متجر، وألف و400 جهاز للصرف الآلي، إضافة إلى 300 مؤسسة بنكية ومكتب بريد، و120 صيدلية في المقاطعتين الأكثر تضررا.
وكان لأعمال التخريب تأثير شديد على اقتصاد البلاد، الذي كان يعاني الأمرين لاستعادة عجلة النمو من جديد. فحسب العديد من الخبراء، ستستغرق جنوب إفريقيا سنوات عديدة للتعافي من آثار أعمال العنف والنهب، التي عصفت بها خلال ما يقرب من أسبوعين.
وقال كينيث كريمر، أستاذ الاقتصاد بجامعة ويتواترسراند في جوهانسبرغ، إن الاضطرابات أدت إلى تفاقم المشاكل الاقتصادية في البلاد الناجمة عن بطء النمو وتأثير أزمة كوفيد-19. مشيرا إلى أن إعادة البناء ستكون منذ الآن أكثر صعوبة.
نفس الرأي شاطره المحلل الاقتصادي المستقل، بونك دوميزا، الذي أعرب عن أسفه كون " التخريب الاقتصادي الإجرامي على شكل نهب وفوضى، كلف البلاد مليارات الدولارات من الخسائر "، مشيرا إلى أن إعادة الاقتصاد إلى المسار الصحيح سيستغرق سنوات.
وأمام هذه التوقعات القاتمة، تبدو السنوات المقبلة صعبة للغاية بالنسبة لجنوب إفريقيا. حيث تواجه الحكومة تحديا كبيرا يتمثل في إخراج الاقتصاد من حالة الركود، واستعادة ثقة المستثمرين، الذين صاروا وكأنهم يفرون من بلد بلغت فيه نسب عدم الاستقرار وانعدام الأمن والبطالة واللامساواة الاجتماعية معدلات قياسية.